اختتمت أسعار النفط الخام تعاملات شهر أبريل دون تغيير كبير، بعد ارتفاع ملحوظ بنسبة 13% لخام برنت خلال الربع الأول من عام 2024، مدفوعًا بتخفيضات أوبك (التي تصدر حوالي ثلث النفط العالمي والتفاؤل بشأن التعافي الاقتصادي والصراعات في البنية التحتية للطاقة بين أوكرانيا وروسيا والتوترات في الشرق الأوسط.
استقرت الأسعار في أبريل على خلفية انحسار التوترات الجيوسياسية بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران والتأخير المتوقع في تخفيضات أسعار الفائدة الأمريكية واحتمال وقف إطلاق النار في غزة، وكلها عوامل ساهمت في خفض المخاطر في السوق.
تهدئة التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط
اعتبارًا من الآن، شهدت العقود الآجلة لخام برنت زيادة متواضعة بنسبة 0.26% في شهر أبريل، في حين شهدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.55%، وارتفعت أسعار النفط الخام بشكل حاد في منتصف أبريل لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أكتوبر مدفوعة بهجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل ردا على ذلك.
واعتبر هذا ردا على غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في سوريا في وقت سابق من شهر أبريل، ورداً على ذلك، أفادت التقارير أن إسرائيل استهدفت ثلاث مدن إيرانية، ولكن كانت الأضرار محدودة.
هدأت توترات سوق تداول النفط بعد ذلك، حيث لم يكن هناك أي تأثير فوري على إنتاج النفط، ومع تراجع الهجمات بين إيران واسرائيل على ما يبدو.
علاوة على ذلك، امتنعت دول الشرق الأوسط الكبرى عن تصعيد الصراع، مما أدى إلى ضيق التداول في أسعار النفط الخام، في البداية، توقع المحللون انتقاما إسرائيليا قويا ضد إيران، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تدخلا لتهدئة إسرائيل من خلال الإعلان عن سلسلة من العقوبات بما في ذلك قطاع النفط الإيراني.
ومن جهة أخري، ووفقا لتقارير إعلامية حديثة، فإن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” يكثف الجهود للتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة، وقد ساعد هذا التطور في تخفيف مخاوف السوق بشأن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، تشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى أن روسيا تواصل إغراق الأسواق بنفطها الأرخص، مع الحفاظ على صادراتها المرتفعة من النفط الخام المنقول بحراً منذ عدة أشهر، وتظل الهند والصين العملاء الرئيسيين للخام الروسي.
وعلى جانب الطلب، ساهمت حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمية والمخاوف بشأن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في انخفاض أسعار النفط الخام في أبريل، بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية إلى انخفاض الأسعار بشكل أكبر.
قرار سعر الفائدة
وبينما تنتظر الأسواق قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن سعر الفائدة في شهر مايو، يظل التركيز على ما إذا كان صناع السياسة سيحافظون على تكاليف الاقتراض عند مستويات قياسية، وهي خطوة يُنظر إليها بشكل عام على أنها سلبية بالنسبة للسلع.
سوف يراقب المستثمرون عن كثب تصريحات الرئيس باول للحصول على رؤى حول توقيت التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة هذا العام، خاصة في ظل الضغوط التضخمية المستمرة.
أسعار النفط تحقق تحركًا كبيرًا في الربع الأول من عام 2024
في الربع الأول من عام 2024 ارتفع سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 15% تقريبا وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 18% ليتداول فوق 90 دولار للبرميل، وهو ما أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار الغاز، ووفقاً لـ AAA، ارتفعت أسعار الغاز أيضاً بنسبة 15% هذا العام حيث بلغ متوسط سعره في الولايات المتحدة نحو 3.57 دولار للغالون.
هناك عدد قليل من القوى التي أدت إلى ارتفاع الأسعار:
فمن جانب العرض: تسببت الحربان المستمرتان في حدوث اضطرابات، حيث أدت الهجمات الأوكرانية على منشآت تكرير النفط الروسية إلى تراجع صادرات الديزل، الأمر الذي دفع مصافي التكرير في أماكن أخرى إلى زيادة الإنتاج (مما يتطلب النفط الخام)، ويخشى المتداولون أيضًا من أن يؤثر التصعيد في الشرق الأوسط على مستوي الإنتاج، على الرغم من أننا لم نشهد اضطرابات كبيرة حتى الآن.
الضربة الأكثر أهمية للإمدادات تأتي في الواقع من الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم ويبدو أن الإنتاج قد يضعف هناك، فعندما ارتفعت أسعار النفط في العام الماضي استغل المنتجون الآبار المحفورة غير المكتملة مما أدى إلى ارتفاع الإنتاج إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، الأمر الذي فرض ضغوطًا هبوطية على الأسعار، وقد أدى انخفاض الأسعار وأسعار الفائدة التي لا تزال مرتفعة إلى تثبيط الاستثمارات الجديدة، وهو ما يتجلى في الانخفاض الحاد في أعداد منصات النفط في الولايات المتحدة.
من جانب الطلب: يبدو أن قطاعًا كبيرًا من الاقتصاد العالمي يعود إلى وضع النمو، الأمر الذي يضع بالطبع ضغوطًا تصاعدية على النفط الخام والمواد الخام الأخرى، وهناك عوامل أخرى مثل ارتفاع الطلب على وقود الطائرات نتيجة لنشاط السفر القوي وتعطل سفن الشحن في البحر الأحمر التي تتطلب المزيد من الوقود للإبحار حول الطرف الجنوبي من أفريقيا، تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الاستهلاك العالمي من النفط يبلغ 103 ملايين برميل يوميا وهو رقم قياسي.
ومن غير المفاجئ إذا أدى انخفاض الإنتاج الأمريكي وارتفاع الطلب العالمي على المدي القصير إلى فرض المزيد من الضغوط الصعودية على أسعار النفط الخام، قد يكون هذا أيضًا سببًا لتفوق أداء قطاع الطاقة في الربع الأول الذي ارتفع بنسبة 13.7% في الأشهر الثلاثة الأولى مقارنة بمكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 البالغة 10.6%.
فهل ينبغي للمستثمرين أن يشعروا بالقلق إذا استمرت أسعار النفط في الارتفاع في الأشهر المقبلة؟
ليس بالضرورة، فلا توجد علاقة تاريخية وثيقة بين ارتفاع أسعار النفط وضعف النمو الاقتصادي أو ضعف أداء سوق الأسهم، فعندما كانت أسعار النفط تحوم في نطاق 100 دولار للبرميل في سنوات ماضية، شهدت تلك السنوات أيضًا نمو اقتصادي مستمر ولو بشكل متواضع، وظلت الأسهم مغلقة في سوق صاعدة.
كما أن إنتاج النفط حساس للسعر وليس للكميات العالمية، إذا ارتفع سعر برميل النفط فوق 100 دولار للبرميل، من المتوقع أننا سنرى كبار المنتجين يكثفون جهودهم للاستفادة من الهوامش المرتفعة، وتتوافق مثل هذه النتيجة مع ما شهدناه تاريخيا، وستسمح التكنولوجيا الجديدة للمنتجين بزيادة الإنتاج بسرعة كبيرة.
التحديات والفرص لأسواق النفط في عام 2024
يمثل عام 2024 تحديًا مهمًا لقطاعي النفط والتنقل العالميين، بدءًا من التوترات الجيوسياسية وحتى التقدم التكنولوجي، فإن المشهد محاط بالتعقيدات التي تعد بإعادة تشكيل مسار الصناعة.
من أبرز تلك التحديات هي قوي العرض والطلب، حيث ستكون أوبك بلس مشغولة بالمناقشات حول ما إذا كانت ستواصل الحد من إمدادات النفط سعياً وراء ارتفاع الأسعار أو الدفاع عن حصتها في السوق، ومع وصول الطاقة الإنتاجية الطوعية إلى أعلى مستوياتها التاريخية، يواجه التحالف منعطفا حاسما في تحديد مساره وسط التوترات الجيوسياسية ونماذج الطاقة المتغيرة، وتتركز هذه القدرة الطوعية التي تقترب من 5 ملايين برميل يوميا في الغالب في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يزيد من تعقيد عملية صنع القرار.
ومن ناحية أخرى، يستمر إنتاج النفط في أميركا الشمالية في النمو، مدفوعاً بالإبداع التكنولوجي والاحتياطيات الهائلة من النفط الصخري، في عام 2023 أنتجت الولايات المتحدة وكندا بشكل جماعي أكثر من 41 مليون برميل من النفط يوميًا، مما يمثل مساهمة كبيرة في المعروض العالمي.
ويمر طلب الصين على النفط بفترة من التحول، مع التركيز المتزايد على الطاقة النظيفة والاستدامة، ومن المتوقع أن ينخفض نمو الطلب على النفط في الصين إلى النصف من 1.02 مليون برميل يوميا في عام 2023 إلى 490 ألف برميل يوميا فقط بحلول نهاية عام 2024، مما يعكس تغير الأولويات الاقتصادية والتركيز بشكل أكبر على أنواع الوقود البديلة.
لكن ليس النفط وحده هو الذي يشهد تحولاً، بفضل توجه الصين نحو استخدام السيارات الكهربائية، يكتسب اعتماد السيارات الكهربائية زخماً في جميع أنحاء العالم، فقد شكلت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والمركبات الكهربائية الهجينة رقمًا قياسيًا في الصين مما يشير إلى تحول في تفضيلات المستهلك، على الرغم من النمو السريع للسيارات الكهربائية لا تزال القدرة على تحمل التكاليف تشكل عقبة رئيسية، لا سيما في الأسواق خارج الصين حيث لا تزال الأسعار في متناول العديد من المستهلكين.
توقعات الطلب العالمي على النفط وإنتاجه
من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا في عام 2024، وتلعب الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أدوارا محورية في هذه الاتجاهات، في حين تظل آسيا وخاصة الصين والهند وجنوب شرق آسيا داعمة بشكل أساسي حيث أنها تساهم بنحو 60% من الطلب على النفط.
ومن المتوقع أن يصل إنتاج النفط في أمريكا اللاتينية إلى 9 ملايين برميل يوميا أو يتجاوزها في عام 2024، وهو إنجاز لم نشهده منذ عام 2016، ويغذي هذا الانتعاش مشاريع بحرية كبيرة في البرازيل وغيانا، مبتعدة عن مصادر الخام التقليدية في المكسيك وفنزويلا، ويعزز الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبرازيل وغيانا دورهما كموردين رئيسيين للأسواق الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا.
ومن المتوقع أيضًا استقرار إنتاج النفط من الموردين الخاضعين للعقوبات مثل روسيا وإيران وفنزويلا، ومن المتوقع أن تمدد روسيا تخفيضات الإمدادات بالتعاون مع المملكة العربية السعودية مما يسلط الضوء على الدور الحاسم لشراكتهما في الحفاظ على تماسك أوبك بلس واستقرار الأسعار، ومع ذلك، في حين أن إيران قد تشهد زيادة مؤقتة في الإنتاج بسبب تخفيف الإجراءات الأمريكية، فإن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يعيق المزيد من الزيادات في الإنتاج، وتعاني فنزويلا من نقص الاستثمار مما يحد من إمكانات إنتاجها إلى 800 ألف برميل يوميا.
الانتخابات الامريكية
تمثل الانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر تتويجا لشكوك أوسع نطاقا للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وقد تخلف النتيجة آثاراً عميقة على العلاقات الدولية والسياسات التجارية والالتزامات البيئية، وبالتالي التأثير على الحسابات الاستراتيجية لأسواق النفط وقطاعات التنقل في مختلف أنحاء العالم.
ولذلك، فإن القدرة على التكيف والترقب والتعاون ستكون عوامل أساسية في رسم مسار من خلال التعقيدات التي تنتظرنا، حيث تعمل الصناعة على تشكيل مستقبل مستدام ومرن.